تخيلت وباغتتنى فكرة شريرة جنونية، لكنها من الممكن أن تحدث، ولو بعد عشرين سنة، وهى أن قراراً جمهورياً أو برلمانياً صدر بأن يصبح الاقتراع والانتخاب والاستفتاء عبر الإنترنت، بمجرد ضغطة على زر الـ«كى بورد» أو شاشة الـ«سمارت فون» تدلى بصوتك فوراً وعلى الهواء مباشرة عبر شبكة إنترنت تربط الجمهورية كلها من الإسكندرية إلى أسوان ومن العريش إلى السلوم. تخيلوا معى من الذى سيرفض هذا الاختراع التصويتى الجديد والأسلوب الحضارى الفريد؟! إنها الفضائيات!! نعم سترفضها الفضائيات بتاتاً وستحاربها كما يقول الجيل الروش محاربة وش، ويجهضونها كما قال الراحل عبدالمنعم إبراهيم نظمى رسمى لمعى، وسيكون دونها كما قال العرب قديماً خرط القتاد، سيواجهونها بكل الوسائل الشرعية وغير الشرعية، ذلك لسبب بسيط هو أن هذه الفضائيات ستموت ويجلس مذيعوها يقشرون بصلاً وبطاطس فى استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامى لو تمت الانتخابات بالإنترنت فى صمت ودون ضجيج وداخل البيوت، فأكل العيش الفضائى يحتاج طوابير أمام اللجان وكرنفالات داخلها وحفلات زار خارجها وفى الاستوديوهات، إن زادت الطوابير فمراسلونا سيتحدثون ويثرثرون ويرصدون ويهللون، وإن نقصت الطوابير أو اختفت فسيظل المذيعون يلطمون فى الاستوديوهات ويولولون ومن الممكن أن يخلعوا الأحذية ويقذفوا بها المشاهدين العملاء الخونة عبر الشاشة! سيسبونهم بالأب والأم وسيقطعون عنهم المصروف ويدفّعونهم الغرامة ويهددونهم بأمنا الغولة وأبورجل مسلوخة، فتنتاب الشعب حالة تبول لا إرادى مزمنة!! وأهو كله شغل، المهم الشاشة تتلون والإعلانات تشتغل والبيزنس يشتعل والعجلة تدور والمدينة تنور، ستعترض على انتخابات الإنترنت أيضاً «الجزيرة مباشر»، فكيف ستسلط كاميراتها على المدارس الفاضية الساعة 12 الضهر ودرجة الحرارة خمسين ثم تنقلها إلى العالم وكأنها غزوة الخندق كيداً وكمداً وغيظاً فى مصر مرات أبوها والتى كانت تعذب العائلة المالكة بكى النار وشرب البوتاس وسماع خطابات مرسى! كيف ستصرف الجزيرة على ملء كروش المحللين المصريين الهاربين الواكلين النايمين الشاربين القابضين فى حال انتخابات الإنترنت؟! سيعترض أيضاً المبطلون لأصواتهم لأنها ضغطة زر واحدة وبعدها يرفض الكمبيوتر أى إضافات من قبيل «بحبك يا فلان» أو «أنت قاتل يا علان» أو «مش حنتخب يا اولاد....»، إذن أين سيُخرج المبطلون كبتهم وينفثون عن غضبهم ويمارسون سبابهم؟ سيعترض أيضاً الأميون الذين يجهلون الأبجدية ولا يبذلون أى جهد للخلاص من تلك العورة الأبدية وارتكبوا فى الانتخابات الأخيرة كوارث وخطايا مثل التصويت فى ظهر الورقة أو الشخبطة على الصورة أو وضع علامة على الاثنين... إلى آخر تلك المهازل التى تدخل تحت بند طرائف وعجائب، ويقولون: ألا يكفى أن مشرفى اللجان رفضوا مساعدتنا والتعليم فى الورقة بديلاً عنا، فكيف سنستعمل هذا العفريت الأصم الأبكم المسمى الكمبيوتر؟! استيقظت من الحلم وطردت الفكرة وقلت فلنترك الخلق للخالق والانتخابات لمحترفيها ولنردد العبارة الخالدة: طوابير قوم عند قوم فوائد.